لمحة تاريخية عن تأسيس لجنة مياه عين الفيجة التي صارت فيما بعد

(المؤسسة العامة لمياه عين الفيجة)

في عام 1922- كانت المشاعر الوطنية في ذروتها، والنضال على أشده ضد سلطات الاحتلال الفرنسي – قرر عدد من رجالات دمشق إقامة مشروع لجر مياه (نبع الفيجة) إلى مدينة دمشق، ووضع حد للاتصالات التي كانت تجري بين الشركات الأجنبية وسلطات الاحتلال الفرنسية الموجودة آنذاك.

لقد عز على هؤلاء الرجال أن يروا مرفقاً حيوياً هاماً، كمرفق مياه الشرب عرضة للمساومات والتجارة بين شركات دخيلة، وسلطات غربية عن الوطن .. كما عز عليهم أن يروا ثروة وطنية هامة من ثروات الوطن تدار، ويتقرر مصيرها بمعزل عن أبناء البلد .. لذلك قاموا بتشكيل أول (جمعية تعاونية في القطر) سميت

 (جمعية ملاكي المياه).

 التي قدمت إلى الحكومة في الرابع والعشرين من شهر آب عام 1922 لائحة مشروع لجر واستثمار نبع عين الفيجة .. وبعد ذلك عقدت هذه الجمعية اتفاقاً مع بلدية دمشق لتنفيذ المشروع بعد اخذ امتيازه من الحكومة.

وفي الثالث والعشرين من شهر شباط عام 1924 عقدت الاتفاقية بين حكومة دمشق ورئيس بلديتها .. وقد نصت تلك الاتفاقية على إدارة المشروع ونظامه العام .. وكانت هذه المرحلة هي مرحلة (التأسيس) الأولى لمشروع جر مياه نبع الفيجة إلى دمشق.

وبعد ذلك تلاحقت أعمال (جمعية ملاكي المياه) بوتائر عالية وسريعة، أكدت صدق المواطن وحرصه على ثروات بلاده، كما أكدت قدرته على إدارة مرافق الوطن .. وكانت أهم أعمال هذه الجمعية هي ايجاد طريقة لتمويل المشروع وتأمين المال لتنفيذه.

التمويل:

إن طريقة التمويل التي اتبعت فريدة من نوعها وهي تعتمد على تأمين المال اللازم لتنفيذ المشروع من المواطنين الذين سينتفعون به، وذلك ببيع الراغبين منهم حقوق ارتفاق على الماء بسعر حدد بمبلغ 30 ليرة ذهبية للمتر المكعب الواحد، وقد نتج هذا المبلغ من تقسيم الكلفة التقديرية للمشروع التي قدرت بمبلغ 150000 ليرة عثمانية ذهبية على الكمية المقرر بيعها من الماء وقدرها 5000 متر مكعب، وقد تم الإقبال على الاشتراك بالماء نتيجة الدعاية لهذا المشروع ووعي المواطنين لأهدافه.

إلا أنه بعد تعديل مخططات المشروع بما يتناسب مع زيادة طاقته للإفادة منه للمستقبل البعيد بلغت كلفته 270000 ليرة عثمانية ذهبية.

وعلى هذا فقد كان من المفروض أن ترفع قيمة الاكتتاب بالمتر المكعب الواحد إلى ما يعادل حاصل قسمة هذا المبلغ على الـ (5000) متر مكعب المقرر بيعها، وبذلك تبلغ كلفة المتر المكعب الواحد من حق الارتفاق (54) ليرة ذهبية.

إلا أن جمعية ملاكي الماء آثرت آنذاك عدم رفع حق الارتفاق تشجيعاً للمواطنين على الاشتراك، وقد تم تسديد الفرق بين المبلغ المجموع وكلفة المشروع وهي 120000 ليرة ذهبية، بواسطة قرض من الدولة تم السعي لأخذه من صندوق المصالح المشتركة وقد تم تسديده ببيع الدولة 1500 متراً من حقوق الارتفاق على الماء، ثم بيعت هذه الأمتار لصالحها، كما تم تأمين 45000 ليرة ذهبية بتأجير الشلال في منطقة الهامة الناتج من فائض المياه المجرورة عن حاجة المدينة لمدة 75 عاماً، وذلك لشركة الكهرباء البلجيكية بغية توليد الطاقة الكهربائية منه، وتم توقيع العقد في 8 تموز 1935، أما رصيد القرض فتم تسديده تباعاً وعلى أقساط وبذلك تم تأمين المال اللازم لهذا المشروع دون إلقاء أي عبء عليه من حيث إرهاقه بديون من الصعب تسديدها أو تحميل المواطنين أعباء إضافية.

وتجدر الإشارة إلى أن أسلوب التمويل هذا مازال في هذه المؤسسة (وتبعتها مؤسسات أخرى في القطر) وهو يشكل المورد الرئيسي لتأمين المال اللازم لمراحل التوسع، وقد رفع سعر المتر المكعب إلى 2500 ليرة سورية إبان الحرب العالمية الثانية، ثم تم تخفيض قيمته إلى 2000 ليرة سورية تقسيطاً خلال سنتين على ثمانية أقساط وبقيمة متساوية ودون فائدة.

 

بوشر بمرحلة الإنشاء في نهاية عام 1925  تم توقف العمل أثر اندلاع الثورة العربية السورية منذ سنة 1926 حتى منتصف 1928 حيث استمرت الأعمال حتى انتهت وتم تدشين المشروع في 3 آب 1932 بين أفراح المواطنين وأهازيجهم،

 وقد بلغت كلفة المشروع 271.737 ليرة عثمانية ذهبية.

ولا بد من الإشارة إلى أن تنفيذ أعمال هذه المرحلة (مرحلة التأسيس) أحيطت بعناية ورقابة فائقتين حتى أتت غاية في الإتقان بالرغم من أن تقنية شق الأقنية وأعمال البيتون المسلح لم تكن متقدمة في ذلك الحين كما هي عليه الآن، وأن اليد العاملة في البلاد كانت حديثة العهد بها ولا أدل على ذلك من أن هذه المنشآت ما زالت قائمة منذ حوالي 53 عاماً لم يطرأ عليها حادث يذكر (سوى على قناة الجر في بعض المناطق).

ويستفاد منها على أحسن وجه كذلك فإن شركة سوكريا الفرنسية الاختصاصية بالمنشآت المائية والتي دعيت عام 1967 لدراسة الإصلاحات اللازم أجراؤها على قناة الجر إن هذه الشركة بعد أن زار خبراؤها هذه القناة والمنشآت الأخرى ذكرت في تقريرها المقدم للمؤسسة عام 1968 النص التالي وترجمته للعربية ما يلي:

(إن القناة رغم أنها أنشئت منذ  40 عاماً وفي ظروف صعبة تحملت بشكل جيد عوامل الزمن على طول 80% من مجراها وليس علينا سوى أن نمجد الرجال الذين صمموا ونفذوا وحافظوا على قناة تمكنت من تأمين تغذية مدينة دمشق بالماء لمدة أربعين عاماً وهكذا حققت أول جمعية تعاونية أحدثت في القطر نجاحاً تاماً.

 

        صورة تذكارية للجنة مياه عين الفيجة